في شهر نوفمبر الماضي، في مدينة أكرا في غانا، كان لي شرف تولي رئاسة جلسة نقاشية ثرية خلال انطلاق مؤتمر تقرير حالة أنظمة الدفع الفوري الشاملة (SIIPS) لعام 2024. وتركزت مناقشاتنا حول سؤال حاسم: كيف يمكن للدول الأفريقية تحقيق التوازن بين الحفاظ على استقرارها المالي وتلبية حاجتها الماسة إلى تحقيق شمول مالي مستدام؟

وحظيتُ بشرف اللقاء مع مسؤولين ملهمين وهما محافظ بنك إسواتيني المركزي معالي الدكتور فيل منيسي، ومحافظ بنك سيراليون المركزي، معالي الدكتور إبراهيم ستيفنز. وأطلعاني على تجاربهما في تخطي العقبات وتحفيز الابتكار وبناء أنظمة مالية شاملة تخدم الجميع دون إقصاء أحد.

وبما أني شغوف بالشمول المالي، فقد ألهمتني هذه المحادثة. وأكدت لي أهمية دور منظمة AfricaNenda المرتبط بهذه المنظومة في دعم هذه الجهود وبناء أنظمة دفع شاملة تمكّن الأفراد في مختلف أنحاء القارة.

مسار إسواتيني نحو أنظمة الدفع الشاملة

أبرز محافظ بنك إسواتيني المركزي رسالته المتمثلة في: تعزيز مزيد من الشمول في أنظمة الدفع مع ضمان الاستقرار المالي.

وخطت إسواتيني خطوات ثابتة نحو هذا الهدف، من بينها:

• إنشاء إدارة متخصصة في التكنولوجيا المالية
• وتنظيم مسابقات الهاكاثون للابتكار التقني
• وتحديث قانون المدفوعات لفتح المجال أمام الجهات غير المصرفية بالمشاركة
• وإطلاق نظام دفع سريع محليًا، الذي بدأ تشغيله في ديسمبر ويمر حاليًا بمرحلة المراقبة.

ورغم ما سبق ذكره، لم تخلُ المسيرة من العثرات، فكان إقناع المصارف التي يهيمن عليها في الغالب القطاع المصرفي الجنوب أفريقي، بدعم هذه الابتكارات بمثابة اختبار حقيقي. بالإضافة إلى أن سد الفجوات التقنية وضمان وصول الجميع إلى هذه الأنظمة الجديدة لا يزالان من بين الأولويات.

وعزز الاطلاع على هذه الجهود التزام منظمة AfricaNenda بدعم هذه المبادرات، ونحن حريصون على المساهمة بفضل خبراتنا التقنية وتبادل المعرفة وتعزيز التعاون لتحقيق تغيير ملموس.

سيراليون: نموذج للمرونة والتقدم

سجلت سيراليون إنجازات بارزة أيضًا في مجال الشمول المالي. وكان إطلاق "نظام التحويل المالي الوطني" في مايو 2022 نقطة تحول حقيقية، حيث ربط بين سبعة مصارف ومزودين رئيسيين للخدمات المالية عبر الهاتف المحمول. ونتيجة لذلك، ارتفع معدل الشمول المالي ارتفاعًا كبيرًا من 18% فقط في عام 2021 إلى ما يقرب من 40% في الوقت الحالي.

ورغم هذا التقدم، ما زال دمج القطاع غير الرسمي يشكل تحديًا كبيرًا، إذ يتردد الكثير من الناس في التعامل مع الخدمات المالية الرسمية بسبب مشكلات الثقة أو قلة الوعي. وأكد المحافظ على ضرورة توفير حوافز، مثل التخفيضات الضريبية، لتشجيع المزيد من الأفراد على استخدام أنظمة الدفع الفوري.

رؤية موحدة لمنظومة الدفع في أفريقيا

كلما تعمقت مناقشتنا، اتضح أنه يتشارك كلا من المحافظين رؤية أوسع: منظومة دفع أفريقي مترابطة حقيقة. وبالنسبة إلى إسواتيني، يعني هذا تعزيز التجارة داخل القارة الأفريقية وتخفيض تكاليف المعاملات عن طريق التخلص من الاعتماد على العملات الأجنبية مثل الدولار الأمريكي.

أما بالنسبة إلى سيراليون، فيخص الأمر تعزيز التعاون الإقليمي وإنشاء كلية للمشرفين على شركات التكنولوجيا المالية لتسهيل المدفوعات عبر الحدود. وهذه الرؤية الطموحة هي ما تحتاجه أفريقيا حقًا، بل تتماشى بشكل وثيق مع رسالة منظمة AfricaNenda المتمثلة في: تسريع تطوير أنظمة دفع شاملة وقابلة للتشغيل البيني في مختلف أنحاء القارة.

تحقيق الريادة، وعدم الاكتفاء بالمواكبة

أثارت رئاسة هذه الجلسة آمالاً وتحفيزات كبيرة، فينبع الأمل من التقدم الذي نشهده في بلدان مثل إسواتيني وسيراليون، والذي يثبت أن الابتكار والشمولية يمكن أن يسيران جنبًا إلى جنب مع الاستقرار المالي. وينبع التحفيز من إدراكنا أن هناك الكثير الذي يتعين علينا إنجازه.

ونؤمن في منظمة AfricaNenda بأنه من شأن الأنظمة المالية أن تخدم الجميع دون أن تقتصر على نخبة محدودة. وهذا ما يحفز وجودنا، أي: دعم البنوك المركزية وصُنّاغ القرار والمبتكرين في بناء أنظمة دفع فوري شاملة لا تقصي أحدًا. وذكّرتني هذه المحادثة بحقيقة قوية: لا تملك أفريقيا القدرة على اللحاق بركب العالم في مجال الشمول المالي فحسب، بل لديها الفرصة لتحقيق مكانة رائدة.

وتعد القصص التي تمت مشاركتها في تقرير حالة أنظمة الدفع الفوري الشاملة (SIIPS) لعام 2024 دليلاً على هذه الإمكانية، فتُظهر هذه القصص أنه عندما نتعاون ونبتكر ونضع الناس في المقام الأول، فإننا سنستطيع بناء أنظمة مالية تحدث فارقًا حقيقيًا.